الأحد، 4 أكتوبر 2009

غولة الوادي وأولياء الجبل


كنت ماشيآ في طريق ضيقه لا يتجاوز عرضها المتر الواحد ، ينمو الصبار على جانبيها بإرتفاع أعلى من ثلاثة أمتار أو أكثر ، كانت الشمس غائبه والظلام أخذ يسيطر ، أخذت خطواتي تسرع لتجاوز هذه الطريق وبدأت رجلاي تشدني إلى الركض عندما تحرك ذاك الشئ الأسود امامي في الظلام ، أصدرت حركته صوتآ مخيفآ ، تابعت ركضي حتى وصلت إلى البيت ، لم أخبر قصتي لأحد رغم الخوف الكبير الذي تملكني ، قلت لأمي أن أبي قد نسي سجائره في البيت ، وهو يريد أن يدخن ، كنا نعرف إذا كان أبي موجودآ في البيت من رائحة الدخان ، لهذا لم نكن نجرؤ على الخصام ، وكنا نخرج إلى اللعب في الشارع إلى ان تخرج رائحة السجائر من المنزل ، بعدها ندخل ويكون عقاب أمي منا شديدآ لكثرة شقاوتنا ، أخذت السجائر من أمي وعدت إلى الحقل رغم خوفي الشديد من طريق العوده ، حيث أننا ذهبنا في ذاك اليوم لجمع المحصول الذي كنا نزرعه في الحقل ، لم يكن عمري يتجاوز الإثني عشرة سنه ، لكن ذنبي  أنني كنت الأكبر سنآ بيين الأبناء والبنات التسعه . 
    غيرت طريق العودة الى الحقل ،  وأضطررت أن أسلك طريق الوادي ،  أخذ خيالي يسرح في الغوله التي تسكن هذا الوادي ، أقنعت نفسي أن الغولة قد لاقتنى الآن في الطريق الأخرى بين الصبار ،  وهي التي أصدرت الصوت وليس شيئآ آخر ،  قصة هذه الغوله التي كانت أمي تقصها علينا لنخاف وننام ونتوقف عن الحديث حيث تقول القصه :
    كان لأمي خال يدعى  علي حسن منصور ، معروف هذه الرجل بقوته وتحديه ، زوجه والده لإبنة عمه عندما كان عمره سبعة عشر عامآ لأنه كان الولد الذكر الوحيد بين أخواته التسعه ، قالت لنا أمي أن خالها جاءه خمسة أبناء ذكور وخمسة بنات ، كان إسم إبنه الأكبر منصور على إسم جد خالها ، هي لا تتذكر خالها جيدآ حسب ما روت لنا ، وكانت تقول لنا أنتم تعرفون أنه لم يكن متوفر بئر ماء في كل بيت ، كنا نحضر الماء من الآبار حول القريه ، تتابع أمي قصتها وتقول  : في ليلة مظلمه ، وعندما كانت زوجة خالي في شهرها التاسع ، حاملآ بمولود جديد لخالي ، جائها "الطلق " وحان موعد نزول المولود ، ذهب خالى ونادى القابله ، وعندما حضرت القابله طلبت الماء ، أحضر لها خالي ماءآ ، قالت له أن هذا الماء لا يكفي ، فقرر خالي الذهاب ليعبئ الماء من البئر ، وأقرب بئر كان هو بئر الوادي الذي تمرون عنه كل يوم عندما تذهبون إلى الحقل .
  كنت أقاطع والدتي وأقول لها : أمي قبل يومين نزلت إلي ذاك البئر مع أحد أصدقائي وأخذنا منه عش العصافير  ، ويوجد بداخله عش آخر فيه فراخ صغار ، عندما تكبر سننزل إلى البئر ونأخذها  ، كانت أمي تردعني وتطلب مني أن لا أنزل إلى ذاك البئر ثانيه ، تسألني كيف نزلت ، ومن أين أحضرت حبلآ ؟ ، إياك وأن يكون الحبل الذي نربط فيه الحمار ، كنت أضحك ولا أجيب سؤالها ، وأطلب منها أن تكمل حكاية خالها الذي ذهب ليحضر الماء وماذا أطعموها من الحلو عندما ولدت زوجة خالها .
    قالت لنا : أن خالها تابع ووصل إلى البئر رغم أنه كان يعلم أن الغوله تسكن هناك ، فهي تشرب وتستحم في الليل ، كان وجه أمي يتغير عندما يأتي الحديث عن الغوله ، وتفرح عندما تتحدث عن خالها أبو منصور ، لكني كنت أقاطع أمي دائمآ عند هذا المقطع من قصتها وأسئلها : لماذا الغوله تشرب في الليل ؟ أنت تمنعينا من شرب الشاي في الليل ، لماذا تستحم الغوله في الليل ، هل هي متزوجه ؟ ، كيف يكون جسمها ؟ هل رآها أحدآ وهي عاريه ؟  هل يوجد غول ذكر زوج الغوله ؟ لم تكن أمي تجيب على أسئلتي .
 تكمل والدتي قصة خالها وتقول : بعد أن عبأ خالي أبو منصور قرابه بالماء وضعها على الحمار ، ركب حماره عائدآ إلى البيت ، وفي طريق عودته شعر بالعطش ، مد يده ليتناول قربة ماء يشرب منها ، شعر أن أحدآ يركب وراءه على الحمار ، صرخ صرخة واحدة سمعها كل أهالي القريه .
    سألت أمي : هل قتل الغوله ؟ تكمل أمي حديثها وقد أصبح وجهها شاحبآ لونه ، عاد الحمار إلى البيت وعليه القرب فارغه وآثار دم خالي أبو منصور الذي أكلته الغوله ، لم يكن شيئآ منه على ظهر الحمار أكلته الغوله كله حتى عظامه ، فأسأل امي : وهل الغوله إنسان يشبهنا ؟ لم تكن تعرف الجواب وكانت تبكي خالها كلما قصت علينا قصته .
    عندما نكون نائمين كنت أسمع صراخ إخوتي ، فقد كانت تأتهم كوابيس الغولة التي أكلت خال أمهم ، تابعت المشي من طريق الوادي وعدت بالسجائر إلى أبي ، الذي كان فرحآ بعودتي إلى الحقل لأني كنت حاملآ سجائره وليس لأن الغولة لم تأكلني  ، حتى أنني إستغربت كيف سمحت لي أمي بالعودة إلى الحقل ليلآ فهي الأخرى لم تكن تخاف علي من الغولة التي أكلت خالها ، تابعنا جمع الغلال في الحقل إلى أن ظهر نور الصباح ، وتأكدت من حديث أبي أثناء العمل أن لعنة الأولياء الذين سكنوا المنطقه بعد حادثة خال أمي قد قتلت الغوله أو جعلتها تهرب من المنطقه .
    عندما كنا نلعب المخفيه ونحن صغار ، كنت أفضل الإختباء بين القبور ، لأني كنت أدرك أن أحدآ من أصدقائي لن يجرؤ على البحث عني في المقبره ، كونهم كانوا يخافون المارد " رغم أنه ملك من الملائكه " الذي يسكن المقبرة ويحرس الموتى .
    بعد أن تخرجت من المدرسة الإعداديه ذهبت لإكمال دراستي الثانويه في المدينه ، أصبح لي أصدقاء من أبناء صفي في المدرسة الثانويه ، كنا نتحدث في أمور كثيره ، تختلف قصصهم عن قصص أهل الريف ، كان مربي الصف ينادي أحد أصدقائي أيها الألماني ، دفعني الفضول إلي سؤال صديقي عن سبب مناداة الأستاذ له بالألماني ، فقال لي صديقي أنه من مواليد ألمانيا ، إستغربت منه لماذا عاد وأهله من ألمانيا إلى فلسطين ، قلت له انا متأكد أن الحياة في ألمانيا أفضل وأسهل من الحياة في فلسطين ، أكد لي ذلك ، لكنه تابع حديثه وقال : أبي يحب فلسطين ، وأينما نذهب لا نجد مثل فلسطين ، ولسنا مثل إبن قريتكم الذي رفض العودة مع أبي ، إستغربت لحديث صديقي ، قلت له أنا اعرف كل اهل قريتنا ، فهي صغيره ، وأعرف كل المغتربين ولا يوجد شخص واحد من قريتنا كان في ألمانيا ، قال لي أنه كان لهم جار في الستين من عمره ، وإسمه أبو منصور ، حينها أسكتني صديقي وتذكرت قصة خال أمي والغوله .
    بعد أن جمعنا المحصول في ذاك اليوم ، كان غلالآ جيدآ ، جمعناه كومة واحدة لنأخذه إلى القريه ، طلب منا أبي أن نعود إلى البيت وقال أنه سيتأخر ورائنا قليلآ لأنه يخاف ان يأتي الرعاة ويطعمون المحصول لأغنامهم ، بعد أن وصلنا البيت بساعة عاد أبي ، وفي اليوم التالي عدنا إلى الحقل لتحميل المحصول على الحمار وأخذه إلى القريه ، لكن أحد الرعاة كان قد جاء بأغنامه إلى الكومه ، لم تأكل الأغنام كثيرآ ولم نخسر من المحصول شيئآ يذكر ، لكننا وجدنا سبعة رؤوس من الأغنام نافقة بجانب الكومه ، سألت أبي لماذا ماتت الأغنام ؟ فقال لي أولياء الله هم الذين قتلوا الأغنام ، لأن ذاك الراعي أطعمها محصولنا ، ونحن قريبون من الله ، والله يحمي محصولنا بأولياءه .
    بعد يوميين من هذه الحادثه ذهب غالبية الرجال من قريتنا إلى جنازة رجل توفي في القرية المجاوره ، ذهبنا مشيآ على الأقدام ، طلب أبي مني أن أذهب معهم ليباركني الرجل الصالح صاحب الجنازه ،  فكما سمعت أن الرجل الميت هو أحد أولياء الله وقريب منه .
   جلسنا أمام بيت الرجل الصالح سمعت أحاديث كثيرة عنه كان يرددها الرجال الجالسون ، قالوا أنه كان يشفي المرضي ، يمنع السحر ويبطله بمجرد أن يكتب حجاب ، كان يرى كل شئ يحدث في المنطقه وهو في منزله ، حتى أنني تذكرت مرة عندما فتحت حجابآ كان والدي عمله عند هذا الشيخ حين مرض شقيقي الصغير ، لكنني لم أستطع قراءة شئ منه ، فكان عبارة عن أشكالآ هندسيه غير منتظمه ، أخذت الحجاب ورميته دون أن أدرك عواقب فعلتي ، في مساء ذاك اليوم فقدت أمي الحجاب عندما أرادت وضعه تحت رأس شقيقي المريض ، لم تسأل أحدآ من أشقائي عنه وإنما إختارتني أنا للسؤال ، أخذت تترجاني ، حلفت لها أغلظ الأيمان أنني لم أراه ، وقلت لها : ربما يكون الشيخ قد إستعاده ، ربما أخطأ في شئ عندما كتبه وأخذه ليصلح خطأه ، لكنني لم آخذه ، أخذت تقرأ علي الفاتحه وسورة الناس ، تحاول إقناعي بإعادة الحجاب الذي كتبه ذاك الشيخ الولي ، لكني لم أعترف لها ، قلت لها إذهبي إلي الشيخ وإطلبي منه يكتب لك حجابآ آخر ، أو إسأليه عن الحجاب الذي كتبه أين ذهب ، أكيد سيدلكم عليه ، أصبحت أمي حزينه ، ،لأنها فقدت الحجاب الذي سيشفي ولدها المريض ، وقالت لي أن الحجاب كلفهم خمسون دينارآ ،كنت خائفآ من العقاب الذي سأناله لرمي الحجاب ، قلت لها أستطيع عمل حجابآ لكم بقرش واحد، لم ترد علي أمي ،في اليوم التالي أخذت ورقة من دفترى ، حاولت أن أقلد الأشكال التي رسمها ذاك الشيخ وأتذكرها ، طويت الورقه ووضعت عليها قليلآ من الغبار ، وضعتها في خزانة أمي ، في مكان تستطيع أن تراها مجرد أن تفتح الخزانه ، في ساعات المساء رأيت أمي فرحه ، سألتها هل وجدت الحجاب ، لم تجبني …. لكنها أعطتني نصف قرش وهي تضحك . 
    تابع الرجال بذكر محاسن الولي الذي توفي ، تحدثوا عن قصص بطولاته في الثورة وكيف كان يشغل الجان في محاربة الإنجليز ، كم قتل منهم وهو في بيته ، حتى أنه هو الذي حرر قريتنا عندما إحتلها اليهود عام ثمان وأربعين ،وقصص كثيرة خفت من بعضها ، حتى أن الخوف تسلل إلي من هذا الرجل الميت ، قررت أن لا أمشي في جنازته ، سأمشي بعيدآ عن الجنازة ، وأسأل الله أن ينتهون من دفنه بسرعه لأعود مع أبي إلى البيت .
     بعد أن غسلوا الرجل وكفنوه ، وضعوه في نعش كان يختلف عن النعش الموجود في مسجد قرييتنا ، عليه رسوم كثيرة وآيات من القرآن ، رفع الرجال الرايات ودقوا الطبول ، رفعوه فوق أكتافهم وكان عدد المشاركين كثر ، بقيت بعيدآ لشدة خوفي ،أخذ الرجال يهللون ويكبرون والنساء تبكي وتنوح ، الجنازة لا تمشي رغم كل محاولات الرجال في الخلف لدفعها ، سمعت بعضهم يتمتم ويقول : إن بركته ترفض خروج جنازته ، وقصص كثيره تفسر سبب عدم مشي الجنازه ، رأيت الرجال في المقدمه واقفون ، كأنهم يمنعون الجنازة من المشي ، إقتربت من الرجال في الخلف ، حاولت أن أصل إلى أبي - الذي لم يغب عن عيني لحظة واحده – لأقول له أن الرجال في المقدمه يمنعون الجنازة من السير ، لكني خفت أن أحدثهم في القصه ، لأني سألقى عقابآ كبيرآ ، سأصبح شاذآ عن جميع الحاضرين ، بعد ساعة أخذ شيخ يقرأ القرآن ويأمر الجنازة بالسير ، إستمر بقراءة القرآن والأحاديث أكثر من ساعة ونصف ، أخذ يتحدث حديثآ مبهمآ لم أفهمه ، قال آمرك بإسم الله أن تسيري ………. والناس يرددون وراء الشيخ   آمين … آمين …يا رب العالمين …. ، أخيرآ مشت الجنازة بعد أن تراجع الرجال في المقدمه وأخذوا يبكون ، لم تكن تختلف عن جنازة مختار قريتنا عندما مات ، لكن جنازة المختار مشت بسرعه ولم تقف ، وقالوا أن طائره مشت مع الجنازه .
    في طريق عودتنا في ساعات المساء من الدفن ، سألت والدي كيف أخرج هذا الولي اليهود من قريتنا عام ثمان وأربعون ، ولماذا لم يخرجهم عام سبع وستون   ؟ هل كان لديه سلاح ؟ ما نوع السلاح الذي كان يملكه ؟ هل هو من بقايا الحرب العالميه ؟ ……. أمرني أبي بالسكوت ، لكني أصررت على طرح الأسئله ، فقال أحد الرجال الذين كانوا عائدين معنا من الجنازه :   حدثني أبي أن خياله على خيول بيضاء يرتدون ملابس بيضاء  كانوا يخرجون من منزل ذاك الشيخ عددهم بالمئات ، لا يستطيع أحد أن يراهم أو يسمعهم إلا الشيخ وأبناءه الكبار في السن ، مرة واحده سمعتهم زوجته وحدثت نساء القريه عن أشكالهم ، فدعى عليها زوجها الولي وماتت بعد يومين ، كانوا يذهبون لمساعدة الثوار في الحرب ضد الإنجليز ، كان الشيخ يوفر لهم الطعام والشراب ،…. يتابع الرجل : قال أبي أن أهالي قريتنا كانوا يجمعون المؤن لإطعام الخياله في منزل الولي ، ومن لم يكن يرسل طعامآ ومؤن  للخياله وخيولهم  لم يكن الشيخ الولي يبارك له أبناءه وبناته فيصابون بالمرض ويموتون ، أخذ يضرب أمثالآ على بعض من اهالي القريه ، لم يكن الخيالة يأكلون الطعام المطبوخ ، لا يريدون النساء أن تتعب بإعداد الطعام ، فكانوا يقبلون الزيت والعدس والقمح والشعير لإطعام خيولهم ،…. يتابع … كان الله في عون زوجة الولي وزوجات أبناءه ، كم من الوقت كان يلزمهم لإعداد الطعام لهذه المئات .
    في اليوم التالي لجنازة ذاك الولي ، وقد كنا قد إنتهينا من جمع الغلال وجلبه إلى القريه ، وضعناه على البيادر لنقوم بدرسه ، طلب مني والدي أن أذهب وأبقى عند البيدر لحراسته من عبث الأولاد ، في ساعات الظهيره جاء إليي بعض الأصدقاء ، قررنا أن نصنع طائرات ورقيه نطيرها من عند البيدر ، أخذنا نبحث عن الأوراق والخيطان اللازمه لصناعة الطائرات ، تذكرت الغولة التي لاحقتني قبل يومين في الطريق الضيقه ، أخذت أصدقائي لأخيفهم بها في النهار ، عندما وصلنا المكان وجدنا قطعة كبيرة من البلاستيك  

حبيبتي باولا ... جمال / بقلم محمود عباس


حبيبتي باولا … جمال


قصة فلم تم عرضه على التلفزون ” الإسرائيلي” عام 1994




كنت احب متابعة التلفزون تلك الأيام ، خصوصآ بعد فترة وجيزة من خروجي من السجن ، في ظروف صعبة كنت عاطلآ فيها عن العمل ، كنت أنام النهار وأقوم الليل ، إعذروني جميعآ ..




الكثير من المشاهدون يتابعون الأفلام والمسلسلات بهدف المتعه وقتل الوقت ، والقليل منهم يستفيدون من العبر أو ينظرون إليها من زاوية نقدية ، شخصيآ لا أتذكر أنني تابعت المزيد من الأفلام والمسلسلات خلال العشر سنوات الأخيرة ، وفي الفترة الأخيرة إنقطعت عن متابعة الأخبار ، لا أعرف السبب ، لكن أعتقد أن الوضع العام السائد لدى الغالبية أثر علي أيضآ .




في تلك الفترة على الأقل - التي تابعتها - عكف التلفزون الإسرائيلي خصوصآ القناة الثانية على عرض بعض الأفلام من النوع الذي سأتحدث عنه ، حيث يكون الهدف من مثل هذه الأفلام تعزيز نشر الصورة النمطية السيئة للإنسان العربي ، من أجل تنمية العنصرية والكراهية تجاه العرب ، فالعربي في مثل هذه الأفلام هو ذاك الشخص الملعون .. السئ .. الغبي المحتقر .. أو اللص الصغير الذي يسرق ولا يتقن السرقة … في احسن أوضاعه منافقآ … أو خادمآ في غير مخلص في منزل سيده … يكون أتفه شخصية في الفلم .. حين تتجه عدسة كاميرا المصور وبأمر من المخرج في لقطة قصيرة ومعادة – إذا لم ينتبه المشاهد في المرة الأولى – يظهر فيها شخص يرتدي لباسآ عربيآ مميزآ يشارك في مكان غير عادي وتصرفات منبوذه … إما أن يكون يشرب بشراهه في بار رخيص .. أو يقف جانب حاوية زبالة ينتظر الباص ، بعيدآ عن باقي الناس الذين ينتظرون نفس الباص .




عام 1994 شاهدت فلمآ – حلقة من سلسلة حلقات من نفس النمط – وكان إسم الحلقة ” حب من أول نظرة - الحبيب في هذه الحلقة كان عربيآ من أصول جزائرية إسمه جمال – لا محمد ولا عبد – والحبيبة كانت سويسرية الجنسية تدين باليهودية إسمها باولا – ليست سارة ولا مريام - .




القصة غريبة لكنها ليست محبوكه جيدآ ، حيث شاهد جمال باولا وهي جالسة مع حبيبها في أحد مطاعم إسبانيا ، أعجبته ، أخذ عنوانها وأخذت عنوانه ، ودارت احداث الفلم بصورة دراماتيكية غير عادية ركزت على إخلاص باولا وحبها وإنسانيتها ، تفاهة جمال وعفويته .




دارت أحداث الفلم لتسافر باولا إلى سويسرا ، بعد فترة يشعر جمال بالإشتياق لباولا ، يسافر لسويسرا من إسبانيا ولم يكن يعرف حتى الآن أن باولا يهودية – يمكن لو كان يعرف أنها يهودية لن يلحقها وذاك متروك لتقييم المشاهد ، فالمشاهد الإسرائيلي سوف يكرهه ، لأنه غدر الحب وتركها لدينها ، والمشاهد العربي سيعتبره خائنآ لأن الإسرائيليين إحتلوا الأرض العربية وجمال يبني علاقة غرام مع يهودية ، خصوصآ أنه لم يكن قد حسم شعوره لغاية الآن ، وربما يتوقع أن تربطه بالموساد ويبقى طوال الفلم خائفآ – سافر جمال المسافة من إسبانيا لسويسرا مع أنه كان فاشلآ في إسبانيا عاطلآ عن العمل في إسبانيا ، ولم يدرك المخرج أو كاتب القصة من أين سيوفر جمال ثمن تذكرة السفر – مع أني متأكد أنه لم يكن جمال - لأنه لو كان جمال أعتقد لن يخذل المشاهد العربي ، وسيوقف العلاقة ، ولم يبخل علينا المخرج ببعض الحركات السخيفة من جمال التي تؤكد الصورة النمطية السابقة للإنسان العربي ، هذه الحركات التي كانت تدل دائمآ على الشخصية السخيفة التي لا تفهم بأصول الحب والمعاشرة ، رغم ذلك وفي كل مرة كانت باولا تسامح جمال بالرغم أنها كانت تعرف أن جمال عربيآ من إسمه وليس فقط من تصرفاته .




أيضآ إستغربت كيف سمحت السلطات السويسرية ل جمال بالدخول إلى أراضيها فالعربي ذاك الإنسان المتهم بالإرهاب والعداء للسامية – رغم أن أستاذ التاريخ في المدرسة الإبتدائية علمنا أننا نحن العرب الساميون - .


إلتقى جمال باولا أمام منزلها في سويسرا صدفة كما يحدث وفي كل الأفلام ، وصدفة أيضآ كانت باولا مختلفة مع حبيبها السويسري ، وربما تركت حبيبها لأجل عيون أبو جمال ، أما جمال فيعرف عن طريق الصدفة أن باولا يهودية ، فيناديه إنتمائه القومي ، ويتذكر إحتلال فلسطين والنكسة والنكبه ، وربما يكون جده قد شارك في احد الحروب العربية ضد إسرائيل ، يتذكر كل هذا ، يفكر أن يترك محبوبته ، حتى كادت أن تكون نهاية الفلم تراجيدية ، إلا ان مفاوضات مدريد حينها وتطورات أوسلو دفعت المخرج إلى تحريك الحمية في لقاءات القاهرة ، ليجعل جمال أن يتخذ القرار ” الصائب ” بالإرتباط بباولا وأن يدوس على كل الجراح العرية أملآ من أن تؤدي نتائج المفاضات بين العرب والإسرائيليين إلى إنقاذ هذا الحب .






15.10.1994

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

فاليسقط المختار … ومعه مدير المدرسة …. حبر : محمود عباس

وخزات فلسطينية

فاليسقط المختار … ومعه مدير المدرسة …. حبر : محمود عباس





الكلاب … يريدون تخريب البلد … يريدون هدمها على رؤوسنا … كان غاضبآ .. محتدآ … وجهه أحمر كأنه سكران  .. أتخيله يقف أمامي الآن .

تابع حديثه … لقد هاتفني الحاكم العسكري … طلب منا إنزال العلم عن الشجرة اللعينة .. على الطلاب تنظيف مقاعدهم من الكتابات والشعارات … أين هي فلسطين التي يكتبون إسمها على المقاعد …كلاب مخربون .

سيأتي  الحاكم العسكرى إلى القرية … سيزور المدرسة .. لا يريد أن يري شيئآ من الكلام الذي لا معنى له … سيدخل ويفتش الصفوف صفآ صفآ .

هذه الكلمات التي إستطعت سماعها من مختار القرية .. عندما طلب مني المعلم أن أذهب إلى غرفة المدير وأحضر له الأقلام الملونه ، سمعتها قبل أن يلتفت إلي المدير ويسألني عن حاجتي ، كان مربكآ .. خائفآ بصورة  لم نتعود عليها نحن الطلاب .. لسانه معقود أمام المختار الكهل ..  الذي لا يخيف خروفآ صغيرآ .. الذي  سمعت زوجته تصرخ عليه أكثر من مرة وأنا ذاهب إلى المدرسة .
لم يكن عمري يتجاوز الثلاثة أو الأربعة عشر عامآ  تلك الأيام ، المختار يسب ويشتم الأشخاص الذين رفعوا العلم على شجرة المدرسة ، يتمنى ألا يكونوا من القرية ، يتمنى أن يكونوا من الفدائيين الذين كنا نسمع عنهم يعبرون الحدود اللبنانية ، لم يتخيل أو ربما لا يريد أن يتخيل أن يكونوا من أبناء القرية .
ربما يكونوا من أحدى القرى المجاورة ، فالجيش إعتقل خلية في تلك  القرية ، كنت أسمع هذا الكلام ولا أدركه ، خلية ..لبنان ..فدائي .. آر بي جي.. كلاشنكوف .. روابط قرى .. هوية .. تصريح … ، علم فلسطين … وعلى شجرة وفي مدرستنا .

حذر المدير وقال له :  إذا كان من رفع العلم من طلاب المدرسة ، ستخرب البلد ، سيدخل الكثيرون إلى السجن ، بل لن يسمحوا لنا بالعمل عندهم ، ألم تسمعوا ماذا فعلوا بالقرية المجاورة ، لقد منعوهم من الخروج من منازلهم حتى تم تسليم الشخص الذي قص جزءآ من السلك الشائك حول المستوطنة .

عندما رجعت إلى غرفة المدير لأعيد الألوان سمعته يتشاور مع المختار كيف سيتم إنزال العلم عن الشجرة ، هؤلاء المخربون إختاروا أطول شجرة سرو ، ربطوا العلم على قمتها ، كيف فعلوا ذلك ، لا بد أنهم إستخدموا سلمآ طويلآ ، لكنني أعلم أنه لا يوجد سلمآ واحدآ في القرية يصل لأقل من ربع هذا الإرتفاع ، أأكد أنهم من خارج القرية ، ولو كان أحد الطلاب أنا واثق من أنك كنت ستعرفه بسرعة . 

أوشكت أن أضحك عندما سمعت المختار يتحدث بهذا للمدير ، المهم كيف سننزل قطعة القماش اللعينه ، لقد وعدني الحاكم العسكري أن لا يُصعد الأمور إذا تم إنزاله وتسليمه هذا اليوم للحاكمية العسكرية ، ستطلب من أحد الطلاب أن يصعد وينزله ، أو نقطع الشجرة .. لم نعد نريدها.

لم تكن الشجرة الوحيدة في ساحة المدرسة ، بل كانت الأعلى ، الوحيدة التي كنا نتحدى بعضنا على الصعود عليها والوصول لقمتها عندما كنا نذهب للعب في المدرسة بعد الدوام ،  نجح بعضنا ووصل القمة .

بناء على طلب من المختار ألقى المدير كلمته الغير معتاده في الوقت الغير معتادين عليه ، بلغته المعتاده ، طلب من أحد الطلاب الذين لديهم الجرأة ليخرج ويعتلي الشجرة لإنزال العلم ، وتحدث عن ضرورة تنظيف المقاعدة من كلمة " فلسطين " ، تفقد الكتب ومسح أي عبارة ننحدث عن            " المنظمة " أو لبنان أو سوريا ، ممنوع كتابة إسم القدس …، كل طالب يفتش جسمه.. يديه ساعده .. إذا كان قد وشم شيئآ عليه أن يتخلص من الوشم ، على الطلاب الذين يحملون الوشم التخلص بأي طريقة يحرقون جلدهم ، يفعلون أي شئ ، حرق الدنيا أخف وأهون من حرق الآخرة ، فقد قال أن الوشم يدخل صاحبه جهنم ، رغم أنه كان هناك وشم ورسوم لم أفهمها على ظهر يد المختار ، وإستغربت كيف تجرأ المدير وقال أن الوشم حرام على مسمع المختار الذي حيْياه رغم هذا ، وأكد صحة حديث المدير حول حرمة الوشم .

بهذه الكلمات أفتتح المدير خطبته ، وتحدث كثيرآ عن أهمية العيش بهدوء ، وكيف علينا أن نشعر بهموم أهلنا ونساعدهم على أعباء الحياة الصعبة التي نعيش ، وكيف نُنقذ قريتنا المسالمة من الوقوع في المشاكل ، وتحدث عن أمور كثيرة لا أتذكرها لأنني لم أكن منصتآ إليه ، بل كنت متسمرآ  أنظر إلى العلم ، أتخيل كيف سيقطعون الشجرة لأن أحدآ لن يخرج من الطلاب ويتسلقها ، فلم يكن أكثر من ثلاثة من بين الطلاب يستطيعون نسلق الشجرة ، وأعلم أنهم يكرهون المختار والمدير ، لذلك لن يساعداهما في إنزال العلم ، أحضروا شخصآ من القرية ودفعوا له خمسة دنانير ، فقد أجبروا كل طالب ان يدفع ثلاثة قروش  ، قطع الرجل الشجرة  وإعتقل المختار العلم ، وطلب المدير من العامل أن يُقطع الجذوع ويأخذ الحطب إلى بيت المختار  .

كالعاده عدنا إلى المدرسة بعد الدوام ، لكن لم يكن الأمر عاديآ ، شجرتنا التي كنا نتسلقها مقطوعة ، سنبحث عن شجرة أخرى نصعدها ، لن نجد بطول الشجرة التي قطعوها ، أصبحت لعبتنا ممله ، لذلك جلسنا ، نتحدث ونحن نحرك بقايا نشارة الخشب بأيدينا ، نشعر ان هناك شيئآ يربطنا بهذا الأثر ، ثلاثتنا نكره الجيش والحاكم العسكري والمختار وكذلك المدير .
المختار …. كنت أكرهه لأن أبي كان يجبرني أن أبعث له علبة من الشوكلاته ، وخمسة دنانير ومطربان من العسل عندما تلد أمي طفلآ ليسجل أخي أو أختي المولوده ، وما أكثر ما ولدت أمي ونساء قريتنا ، وأيضآ لم نكن نأكل الشوكلاته إلا في العيد ، او بعض القطع التي كنت أسرقها من علبة المختار ، حتى أنه راجع أبي أكثر من مرة وقال له أن العلبة ناقصه أربع أو خمس حبات ، وكان أبي يعاقبني ، إلا انه كان يطلب مني كل مرة أن أبعث علبة المختار ، أيضآ كان يرعى بأغنامه في حقول المزارعين دون أن يشاورهم ، كان كل رجال القرية يخافون منه ، لم يكن أحدآ يجرؤ أن يجلس في الكرسي الأمامي للباص الذي كان يأخذنا إلى المدينة ،  فربما يذهب المختار في ذاك اليوم إلى المدينة ، لكني سمعت في الفترة الأخيرة ان شبانآ ذههبوا إلى حقل المختار وقطعوا بعض الأشجار ، وحتى أنهم وضعوا صمغآ على كرسي المختار في الباص .

مدير المدرسة ….  كان ياخذ الطلاب في حصة الرياضه والنشاط واللغة العربية ليساعدوا زوجته على قطاف الزيتون ، أجبرنا على حفظ سورة التين من القرآن الكريم في أيامنا الأولى من الصف الأول ، لنعرف قيمة هذه الشجرة المباركه ، كان يضرب الطلاب بقسوة ،  ذات مرة طلب منا أن نذهب لمساعدة البناء الذي يعمل في بيت شقيقة ، وأقنعنا انه سيطلب من أستاذ اللغة الإنجليزية أن يسجل لكل طالب عشرة  علامات زيادة عن تحصيله .

الحاكم العسكري … لم اكن اعرفه ، ولا اعرف علاقته بالقرية ، لكن عندما جاء إلى المدرسة كان يرتدى نفس الزي الذي يرتديه الجيش ، وهو الذي كان يتحدث دائمآ والبقية يستمعون إليه لدرجة الإندهاش ، والإبتسام خصوصآ المختار والمدير .

الجيش … لم أكن أدرك معنى الإحتلال ، لكني كنت أكره الجنود ، لأنهم كانوا يأتون إلى القرية بسياراتهم ، كانت سياراتهم تسير بسرعة جنونية ، حتى انهم ذات مرة دهسوا دجاجة جارتنا أم محمد التي كنا نشتري البيض من عندها ، أغلب المرات كانت تعطيني بيضةًَ زيادة ، وبعد هذه الحادثة توقفت أم محمد عن عادتها ، ومن يومها كرهت الجيش ، أيضآ زوجة عمي كانت تكرههم ، بل تخاف منهم ، لدرجة أنها كانت تأخذ الكوفية التي كان يلف عمي دواءه فيها وتخبئها في مخزن التبن ، وكأن الدواء كان مهرب من لبنان ، كنت أكره الجيش لأنهم كانوا يعبرون بسياراتهم كما تعبر أغنام المختار في حقول المزارعين ، فكانوا يخربون حقول القمح التي إنتظرها المزارعون ستة أشهر كاملة ، ويعلم الله كيف سيكون الموسم القادم ، أعرفتم لماذا كرهت الجيش ، لأنهم كانوا يصلون بسياراتهم لكل الأماكن ، ويذهبون لأي مكان دونما هدف في الحقول وأعالي الجبال ، حتى اننا كنا نحتار أين نضع المسامير لنعطلها ، وكنا نتعب في الوصول لكل الأماكن التي كانوا يصلونها ، وأكثر من مرة تعطلت عجلات جرارات المزارعين من أبناء قريتنا رغم أننا كنا ندعو الله أن لا يمروا من هذه الأماكن .

من قال لكم أننا نكره الإحتلال ، فنحن لم نكن نعرفه أصلآ ، ولكن كنا نعرف أن عائلة الأطرش التي تسكن قريتنا جائت من قضاء حيفا التي يسكنها اليهود ، والتي يعمل فيها أبي عند المعلم " مردخاي " ، تمنيت لو كنا من تلك القرية ، لأن حصة هذه العائلة من طحين وكالة الغوث كانت أكبر من حصتنا ، كانوا مرتاحين من العمل في الأرض ، بينما نحن نعمل ونتعب ونزرع وتأتي سيارات الجيش لتسحق كل تعبنا ، كيف لا نكره الجيش ، لكننا لا نكره الإحتلال ، ولا يوجد ضغن بيننا وبين الحاكم العسكرى .

لم نتفق أن نفعل شيئآ ، لم نقرر أن هناك إجتماعآ ، لم تكن هناك غرفة عمليات لتدارس موضوع المختار ، كل ما في الأمر أننا وجدنا قطعة من الفحم ، بعد حديث قصير عن المدير ، من سيعاقب من الطلاب المساكين ، كل تفكيرنا كان كيف قطعوا الشجرة التي كنا نتسلى ونلعب معها ، قتلوها وأعدموا العلم ؟؟؟ 

بدون قرار بقينا جالسين ، لم نجد شجرة تشبع توقنا للتسلق ، دونما تخطيط وبعد ان حل الظلام وخصوصآ أنه لم يكن كهرباء في القرية ، وبعد أذان المغرب عدنا ادراجنا إلى منازلنا ومعنا قطعة الفحم ، وبدأنا نكتب على حائط منزل المختار " فاليسقط المختار "        "     فاليسقط مدير المدرسة "         " يجب تغيير المختار " ، لم نكن نعني شيئآ ، كل ما عنيناه تلويث سور منزل المختار .

عدنا إلى بيوتنا ، لم نُحدث أحدآ عن فعلتنا ، لم نعتبرها فعلة غير عادية ، شقاوة أطفال ، كما كنا نتسلق شجرة السرو كل يوم ، كتبنا بالفحم على سور منزل المختار ، لم نعير الموضوع أي إهتمام ، كما حصل مع شجرات المختار ، وسيارات الجيش وكُرهَنا للمدير الذي وضعنا قليلآ من السكر في خلطة الإسمنت عندما أجبرنا على الذهاب لمساعدة البناء الذي يبني منزلآ لأخيه .

في اليوم التالي – أعنقد انه كان يوم أحد -  ونحن واقفون في الطابور الصباحي تفاجئنا أن المختار واقفآ مع المدير ، تحدث المدير مستقويآ بالمختار ، وقال أن هناك " زعرانآ " كتبوا خرابيش على دار المختار ، وأنه سيطرد من المدرسة الطالب الذي سيثبت لاحقآ أنه فعل هذا ، عليكم أن تتأسفوا للمختار على الفعلة ، كان المدير متلبكآ ليس كعادته ، لم أدرك سبب الضعف الذي أصاب المدير ، لكني أدركت ذلك عندما كبرت ، أدركت كم كان جبانآ وخائفآ من شئ مجهول ، شيئآ أكبر منه ومن المختار ومن الجيش ومعه الحاكم العسكري وحزام أبي ، لم نكن نستشعره في تلك الأيام ، لم نكن نشعر شيئآ إسمه الإنتماء للوطن ، لم نكن نعرف أن هناك أشخاصآ أكبر منا يحموننا بسمعتهم دون أن يعرفونا أو نتفق معهم … لكن المدير والمختار والحاكم العسكري كانوا يعرفونهم ويخافون منهم .

عندما كنت أسمع فدائي كنت اتخيل أشياء كبيرة ، إحترام الإنبياء ، وشموخ شجرة السرو التي رفعت العلم وقطعوها ، ورضاي عندما كنت أبعث هدية الداية التي كانت تلازم أمي عند الولاده ، فقد كنت أشعر انها تأخذ حقها ، رغم أن هديتها كانت تتميز عن هدية المختار ، فقد كنا نضع لها صابونة نابلسية زيادة ، ولم أكن أفتح علبة الشوكولاته خاصتها  رغم اني كنت أتوق لذلك  ، ورغم أني كنت أخشى كلمة فدائي  إلا أنني كنت أطرب لسماعها ، أتخيل موسم القمح القادم بعد أن تدوس عجلات سيارات الجيش قمحنا هذا العام ، أحس بحنان أمي وأقارنه بخوف أبي من أن يمنعوه من العمل مرة أخرى في حيفا لإنهم منعوا غيرة الكثيرين " سأقص عليكم لاحقآ قصة أبي مع تصريح العمل في قصة أخرى " .

لم أعرف ما دار بين المختار والمدير من حديث قبل الطابور الصباحي ، لكني سمعت أبي يقول لأمي أنه سيذهب هذا المساء إلى بيت المختار ، فهناك إجتماع لأهالي الطلاب ، لم أدرك حقيقة ما دار من حديث بين أبي وامي ، ولم اعير الزيارة أي إهتمام ، فكل رجال القرية يحاولون التقرب من المختار وكسب رضاه ، وضعت أمي قليلآ من العسل في مطربان وأعطته لأبي ليعطيه للمختار ، فهي حامل وسيأتي لنا أخ أو أخت جديدة ، وكانا قد إتفقا إذا كان المولود ذكرآ أن يسمياه على إسم المختار ، لذا تمنيت من كل قلبي أن يكون المولود أنثى ، وإذا كان ذكرآ تمنيت له الموت ليموت معه المختار ، لأني لا أريد أن أذهب مرة أخرى إلى منزلة حاملآ  " هدية المختار " .
يوم الإثنين اليوم التالي لإجتماع رجال القرية في منزل المختار ، حمدت الله كثيرآ أنني وإخوتي تناولنا طعام الإفطار مع أبي ، لن تحدث مشاكل كما كل صباح ، اليوم سنتناول الغداء مع أبي أيضآ ، بعد أن نعود من المدرسة ، ذهبت وإخوتي إلى المدرسة  ، كانت الساعة السابعة والربع ، عندما رن الجرس الساعة الثامنة إلا عشر دقائق ، على غير العاده تأخر عشرة دقائق ، وقفنا في الطابور ، حمدت الله أنني لم أرى وجه المدير ، كما حمدته على رؤيتي أبي بعد العودة من المدرسة ، فقد كان أبي يخرج إلى العمل الساعة الثالثة والتصف صباحآ ، ويعود الساعة السادسة مساءآ ، إرتحنا من عظة المدير التي لا أحب سماعها .

أبي …. زوج أمي …مزارع بسيط ، أصبح عاملآ يعمل في " إسرائيل " ، يخاف الحياة كثيرآ ، كان يحب المختار لدرجة الخوف أن يدخل أغنامه إلى حقلنا ، يخرج للعمل الساعة الثالثة والنصف صباحآ يعود الساعة السادسة ، يتناول طعام الغداء أو العشاء وينام ، بعض الأيام كانت أمي تسخن له الماء ويستحم ، وأكثر الأيام لم يكن يستحم ، كان ينام هكذا ، أيام أخرى كانت أمي تسخن له الماء في وقت متأخر عندما يكون إخوتي نيام ، وقبل أن يأتوا لنا بأخ أو أخت جديد بتسعة أشهر ، بعض الأيام كان يدرك صلاة العشاء وغالبها لم يكن ، لم يهمه تحصيلنا الدراسي كثيرآ ، فعنده تسعة من الأولاد وأربعة من البنات ، ولن يخيب الله رجاءه ويخرج منهم واحدآ متفوقآ ، وإن لم يكن على الأقل  جيدآ  في دروسه ، لم يكن يعلم أنني قلت لشجرات المختار المقطوعات أن يبلغنه بالكف عن الدخول إلى حقولنا .

سمعت بعض الطلاب الأكبر منا سنآ يقولون ان الحاكم العسكري قد إستدعى كل أهالي طلاب المدرسة إلى مقره في المدينة ، لم أدرك معنى هذا ، لكنني عندما عدت إلى البيت من المدرسة ، عرفت أن أبي كان واحدآ من هؤلاء الرجال الذين تم إستدعائهم ، فهو لم يكن بالبيت ، ولم يذهب للعمل ؟ ، الآن عرفت من يكن الحاكم العسكري ، فأبي عاد إلى البيت وإخوتي نيام ، كانت الساعة التاسعة مساءآ ، كنت أنتظره مع أمي وكل نساء القرية ، أربعة أيام متتالية تناولت طعام الإفطار مع أبي ، رغم انه لم يحدثني ماذا كان يفعل هناك ، لكنني لم أجرؤ على سؤاله ، كل ما كنت اتمناه أنني وإخوتي في عمر أصغر من المدرسة ، فقد كنت أقرأ علامات الغضب والذل بعينيه ، حتى أنني لم أكن أجرؤ أن أطلب من أخي الصغير ليطلب منه شراء " الهريسة " من المدينة ، كما كان يحصل في مرات سابقة ، ومع ذلك إرتحت من رؤية وجه المدير أربعة أيام .

بقي الحاكم العسكري يستدعي أهالي القرية من أولياء أمور الطلاب من يوم الإثنين لغاية يوم الخميس ، نهاية الأسبوع الدراسي ، من هذه اللحظة بدأت أكره الحاكم العسكري ، رغم أنه أراح الطلاب أربعة أيام كامله من رؤية وجه المدير والمختار الذي كان يقع بيته على طريق المدرسة ، والذي كان ينظر بعين الحقد والحسد للطلاب ، لإنه تزوج أربعة مرات ولم ينجب أيآ من الأولاد ولا البنات ، أربعة ايام مارسنا فيها كل هواياتنا في اللعب أثناء الإستراحة ، حتى أن المدرسين كانت تبدر عنهم إبتسامات ، وكنا نقرأ الفرحة في عيونهم ، بإستثناء أستاذ واحد ، كان مختلفآ عن البقيه ، شديد الغضب ، وسألنا إذا كنا نعرف من رفع العلم ، وانه سيعطي عشرين علامة زيادة للطالب الذي سيقول له من رفع العلم ، بعد يومين قالوا أن أشخاصآ رموا الحجارة على منزله وكسروا زجاج الشبابيك . 

يوم الجمعة لم يذهب أبي للعمل ، على غير عادته ، في المساء خرج من البيت وقال لأمي انه ذاهب لبيت المختار ، وكانت تعلو وجهه إبتسامه ، تجرأت وسألته لماذا ستذهب ؟؟ قال : سنختار مختارآ آخر للقرية  ، فقد قدم المختار إستقالته ،  هذه المرة لم تطلب أمي من أبي أن يحمل هدية المختار ، طاب لي الموضوع وإبتسمت .

بعد أن أصبح عمري سبعة عشر عامآ ، عرفت أن المختار قد سقط ، وأن أهالي القرية قد إختاروا لجنة لتدير شؤونهم ، وتوقفت أغنام المختار عن الدخول لحقولنا ، وبقيت عِبارة  " فاليسقط المختار " ثلاث سنوات بعد سقوطه ، رغم المحاولات الكثيرة لمسحها ، او ان أحدآ لم يعيرها إهتمام ، وفي أيامنا هذه أصبح العلم الفلسطيني مرفوعآ على سارية ، لكن ليس مكان الشجرة المقطوعة ، ولا زالت سيارات الجيش تأتي إلى قريتنا ، لا تعير العلم إهتمامآ ، ورحم الله أم محمد جارتنا لأن سيارات الجيش لن تدهس لها دجاجة أخرى .

 27.9.2009

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

بداية الكلام ……..

مشكلة المثقف العربي " عندما يكتب يخاف ، وإذا كتب ربما وإحتمال قوي سيذهب للسجن " ، في ظروف معينه وجودة محبذ ولكن ليس كل الوقت .

قلت ان الثقافة غابت عندما " سكت طابون أمي " مع أن الثقافة لا تغيب ، لكن تأثيرها ضعف للأسباب التي ذكرنها في الموضوع ، وعنوان هذا الموضوع ، فلا يوجد ثقافة عقلانية يمكنها ان تقبل الواقع السئ مهما كان توصيفه إحتلال او تبعية كما واقعنا ، أصلآ لا يوجد ثقافة لا عقلانية ، الثقافة عند دراسة المحددات الأخرى للواقع موجوده وتفعل فعلها سواء كان لدينا قرار بتغييبها أو لم يوجد هذا القرار ، فهي تفرض نفسها بغير قرار ، لذا أعتقد أنكما تطرحان موضوع المستوى الثقافي السائد ، مع ان الثقافة ليست تدرجات يمكن قياسها ، فهي ملازمه لحياتنا كما هو الدم بالنسبة للحم ، فعندما أثنيت على مقولة " الإقتصاد هو المحرك الأساسي لعجلة التطور " ، لم أقصد بذلك أن التطور الإقتصادي يجرى خارج إطار الثقافة سواء بمستواها الوطني الضيق أو القومي الحلم " ثقافة " ، ولكن إذا أردنا أن ننجح علينا أن نقيس قضايا ملموسة ، فلا نستطيع أن نقول ثقافة الدكتور هشام 90 وثقافة محمود 75 ، لكننا يمكن أن نعد المصانع ، المستشفيات ...... الخ هذه تعبر عن مستوي تطور ، جميعنا مثقفون بغض النظر عن قدرتنا أو عدمها بالتعبير عن ثقافتنا ، أبسط مواطن يعيش في قريتنا يكره الإحتلال ، حتى " العملاء " لأنهم يدركون أنهم وقعوا في ورطه ، ولديهم الإستعداد للعودة مع عدم إحترامي لهم ولا للإحتلال ، أيضآ يكره الظلم كما يكره الفرقة ويحلم بالوحده ، هذه ثقافة وهذه أساسيات يمكن أن نبني عليها ثقافتنا وهنا يكون دور من نقول أنهم مثقفون ، النخبة ، كذلك حتى أؤلئك القادة الذين نتهمهم إما بالخيانة أو لعب دور سلبي على مستوى تحقيق أمنياتنا والتي هي جزء من ثقافتنا ، لا يمكن وصفهم بأنهم خارجون عن البديهيات التي يمتلكها المواطن البسيط في قريتنا الصغيرة .

أعود للإقتصاد من النقطة التي طرحتماها ، وكان هناك تفاوت بسيط بين الطرحين – هذا أمر طبيعي – عند طرح دور الإقتصاد في التطور ، فعندما طرحت دور الإقتصاد لم أقصد تغييب دور الثقافة ، أصلآ لا أستطيع ذلك – إذا كان ما أكتبه ثقافة – ولا يوجد هناك ثقافات مختلفة لكن يوجد هناك تراكمات نستطيع الوصول إليها جميعنا ، لكن هذه التراكمات ليس لها محددات أو طرف يمكن الإمساك به من جانب معين ، كالكرة تمامآ لهذا نجد الإختلافات في وجهات النظر – عند تقييم التفاصيل – وإذا إستطعنا أن نحدد طرفآ لثقافتنا يمكننا أن نتفق بسرعة ونمسك جميعنا بهذا الطرف ، لا أريد أن أخوض بهذا الموضوع كثيرآ لأني متيقن أنه لن يكون فيه مخرج لنا جميعآ ، المخرج عند المواطن البسيط في قريتنا ، الذي يكره الإحتلال والظلم والتبعية ويحلم بالوحدة ، السؤال ماذا يسنطيع أن يفعل ليحقق هذه الأحلام ، ليس مهمآ عندي إذا كانت الثقافة مكتسبة من الشارع أو المدرسة أو الخطابات ، المهم النتائج ، أصلآ الأمور متداخلة بطبيعتها ولا يمكن رسم حدود وفواصل بينها ، كل شئ فيها مكتسب .

أقول أن الدول او الدويلات العربية التي تم وصفها في المثال بأنها من أغنى دول العالم ، هي تابعة إقتصاديآ ، ولا تتحكم بمواردها ، لست خبيرآ إقتصاديآ ولكن يؤكد ذلك الكثير من الخبراء الإقتصاديون العرب ، وأنا أأمن بتحليلاتهم ، بل مطلوب من هذه الدول توظيف مواردها لخدمة أهداف ومصالح شركات الإحتكار التي تمثل المصالح الإستعمارية ،- إذا كان هناك ثقافة تبغض الإستعمار -، لا أحفظ أرقام ولست مطلعآ ، ولكن أدرك ان هناك تبعية للجهات التي يكرهها المواطن البسيط ، البعض يسميها أجندات خارجية ، وآخرون يطلقون عليها الإمبريالية وهي بالنسبة لي سواء إذا إستطعنا أن نتفق عليها من هي ، جميعكم يدرك حجم الإستثمار العربي في الغرب إذا أعتبرنا أن الغرب هو المعني بإستمرار تبعيتنا ، وندرك أيضآ ماذا يمكن أن يحصل لو تم إستثمار هذه الأموال في البلدان العربية .

لم أقرأ كتاب شمعون بيرس " شرق أوسط جديد " – سأحاول قراءته - ، لكني سمعت أنه يصور الكيفية التي ستكون عليها المنطقة بعد تحقيق السلام – الذي لن يتحقق مع أملي بذلك " موضوع آخر " – حيث يتحدث الكتاب عن المركز والمحيط ، وكيف سيتم الإستفادة من الخبرات الإسرائيلية والإمكانات والطاقات العربية ، بلغة بسيطة العقل العربي عاجز عن إستغلال طاقاته وانا أقول أنه ممنوع عليه إستغلال هذه الطاقات .

لست رجعيآ لهذا الحد مع أني اختلف كثيرآ مع زوجتي ، ولكن أريد أن أسوق مثال الزوجة العاملة ، التي تستطيع أن تشارك زوجها لأبعد الحدود في القرارات التي تخص الأسرة ، والزوجة الغير عاملة التي تتفاجأ بقرارات زوجها ولا تستطيع حتى نقاشه ، لا أريد أن تصارحوني في هذا الموضوع ، كما أتوقع واتمني ان تكونوا أزواج وتقيسوا الموضوع بينكم وبين أنفسكم .

المستقل إقتصاديآ يستطيع أن يعطي ثقافته مداها في التأثير ، ولا يوجد هناك ثقافة خائتة وثقافة وطنية .

مع أملي بأغناء الموضوع لاحقآ وكل عام وأنتم بألف خير

19.9.2009